قامت مسرعة إلى المطبخ أعدت سندوتشات الجبن الرومي لها، والمربى لمحمد أخيها، وبلمسات سريعة أصلحت لها الحجاب، وأخرجت ياقة قميص محمد فوق كنزته، وأغلقت الباب خلفهما، واستدارت إلى الشّرفة؛ لتتابعهما كما تعودت كلّ صباح وهما يعبران الشارع. وقفت تتأملهما بسعادة وتتعجب كيف مرّت السنوات الخمس بعد وفاة سعيد؟! ها هي نهال في الصف الثاني الإعدادي، ومحمد سيُنهي الإعدادية هذا العام. استدارت ككلّ يوم تعد فطور والدتها وتجهز وجبة الغداء؛ لتنطلق إلى الحضانة التي افتتحتها بعد وفاةِ زوجها، جاءها صوت نغمة الرسالة، أسرعت إلى التليفون متمنية أن تكون رسالته، وبفرحة ظافرة ويدٍ ملهوفة فتحتها ''حبيبة عمري ادعِي لي. أنا في كرب وضيق شديد'' ألقت بنفسها على كرسيّ بجانب الثلّاجة، ورفعت حاجبيها في استنكار مذعور: - كرب! أي كرب؟ لمَ لم تفسر؟ كلمتان لو أضفتهما لهذه العبارة كانتا ستخرجنّي من هذا الضباب الذي أنا فيه الآن. طلبته لم يرد. أعادت الرقم مرات عدةٍ ولا إجابة، عادت لتكمل ما بدأته في المطبخ فلم تستطع. وضعت رأسها بين كفيها وانهمرت في البكاء، تهدّج جسدها من شدة ارتجافه. ارتعشت شفتاها وهي تحدث نفسها: جعلت القلق في قلبي كأنّه النمل!! وجاء صوت أمها قاطعًا عليها بكاءها: حنان، الإفطار.